وجه يهوذا الأوروبي : لماذا خطة الاتحاد الأوربي لمكافحة الهجرة المعروفة باسم عملية الخرطوم خاطئة جداً على عدة مستويات.

وجه يهوذا الأوروبي : لماذا خطة الاتحاد الأوربي لمكافحة الهجرة المعروفة باسم عملية الخرطوم خاطئة جداً على عدة مستويات.
أمجد فريد الطيب


منذ عام 2014، دفع الاتحاد الأوروبي باجندته لمكافحة اللجوء الي أراضيه من خلال مبادرته التي أصبحت تعرف باسم عملية الخرطوم. نشأت هذه المبادرة عندما فرض ممثلي الاتحاد الأوروبي أنفسهم إلى على مؤتمر إقليمي منخفض المستوى للاتحاد الأفريقي عقد في الخرطوم في أكتوبر 2014، بهدف وضع نهج تعاوني للتصدي للاتجار بالبشر وتهريب الأشخاص في المنطقة؛ وهو هدف كان لا يمثل أولوية بالنسبة لتلك البلدان في ذلك الوقت. ومع ذلك، فإن مشاركة الاتحاد الأوروبي أصبحت موضع ترحيب كبير، وحولت المؤتمر الي حدث جاد، التزمت فيه 15 دولة أفريقية بمساعدة أوروبا على وقف تدفق اللاجئين إلى أراضيها الموعودة؛ مقابل سعر مناسب، بطبيعة الحال، لأن لا شيء رخيص في زماننا الحاضر.
بلهفة بالغة، وبسبب بعض الصراعات الأفريقية التقليدية حول أي بلد سيكسب الزخم الدبلوماسي، أعد الاتحاد الأوروبي اجتماعا آخر في روما في نوفمبر من العام نفسه للتوقيع على ما تم تسميته بـ(إعلان روما). أطلق إعلان روما رسميا العنان لمبادرة طريق الهجرة عبر القرن الأفريقي أو عملية الخرطوم التي وافقت فيها البلدان الأوروبية على مساعدة الدول المتأثرة بالاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين بين القرن الأفريقي وأوروبا "من خلال إجراءات ملموسة، بروح من الشراكة، وتقاسم المسؤولية والتعاون ". كان من الواضح أن كل شيء يتم اعداده بهدف مساعدة الاتحاد الأوروبي لتقليل ما أصبح "عبئا" غير مرغوب فيه من اللاجئين الإنسانيين إلى أوروبا، ولكن الوثائق المكتوبة ظلت تنص دائما على أن الرجل الأبيض هو الذي يقدم المساعدة! حتى ذلك الوقت، كانت هناك معاهدة روما التي أنشأت منطقة الاتحاد الأوروبي وإعلان روما للأمن الغذائي العالمي ونظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، وربما شعر اليمين السياسي في أوروبا بانه الوقت المناسب للتعبير عن بعض نزعاته الفاشية على طريقة إعلانات روما الحديثة.
كانت النسخة الرسمية الأطول لاسم المبادرة (مبادرة طريق الهجرة عبر القرن الأفريقي الي أوروبا) أكثر دقة في الإشارة إلى الأهداف الحقيقية لهذه العملية. حيث لم يتعلق الأمر بمكافحة الاتجار بالبشر أو تهريبهم. كانت هذه مجرد أطباق جانبية للوجبة الرئيسية؛ والتي كانت محاربة الهجرة (اللجوء الإنساني بلفظ ادق) من القرن الأفريقي. عملية الخرطوم هي اسم بليغ آخر لهذه المبادرة. حيث لم تتوانى أوروبا عن استخدام أنظمة قمعية مثل نظام الخرطوم لحماية حدودها من تدفق اللاجئين السود إلى أراضيها. اختار الاتحاد الأوروبي أن يتجاهل الحقيقة الواضحة البسيطة بأن قمع نظام الخرطوم والأنظمة المشابهة له هي التي تدفع هؤلاء اللاجئين إلى المخاطرة بحياتهم ومحاولة الفرار.
في عام 2015، قام الاتحاد الأوروبي بانشاء "صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني للطوارئ  الافريقية : The EU Emergency Trust Fund for Africa" لتمويل حوافز تنفيذ عملية الخرطوم. ونظرياً تم انشاء الصندوق لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية / غير القانونية (وهي المصطلحات التي يجري استخدامها بشكل متزايد في الوقت الحاضر للتشويش على الطبيعة الحقيقية ووصف اللجوء الإنساني). من الناحية النظرية، خصصت موارد الصندوق لإنشاء الوظائف، والتنمية الاقتصادية، والتدريب المهني، وتمويل المشاريع الصغيرة. كذلك، وبغض النظر عن مدى سخرية الامر ، من اجل تعزيز الاستقرار والحكم في ظل حكم نفس الأنظمة القمعية التي دفعت اللاجئين إلى البحث عن ملجأ  في المقام الاول. وتم توزيع ملايين اليوروهات على البلدان الشريكة للاتحاد الأوروبي في أفريقيا للقيام بهذه المهمة. وحصل السودان وحده على أكثر من 215 مليون يورو من هذا الصندوق الاستئماني منذ انشائه وحتى أبريل 2017، بالإضافة إلى منح أحادية من بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وإيطاليا التي اتخذت أشكال التدريب الأمني ​​والامداد بمعدات الرصد في بعض الحالات. وقد حظي السودان باهتمام كبير من الاتحاد الأوروبي في هذه المبادرة باعتباره طريق مرور رئيسي للاجئين من القرن الأفريقي. وبما لا يثير أي قدر من الدهشة، فقد كانت الترجمة العملية والتنفيذ لعملية الخرطوم، عبارة عن استخدام الأدوات القمعية للأنظمة الأفريقية لصالح تحقيق المصالح الأوروبية.
في السودان، عهد النظام بمهام حماية الحدود إلى ميليشياته سيئة السمعة: قوات الدعم السريع، والتي هي عبارة عن إعادة هيكلة لميليشيات الجنجويد التي استمرت في تأجيج المآسي الإنسانية للصراع في دارفور منذ عام 2003. وكانت قوات الدعم السريع في شكلها الجديد تحت قيادة زعيمها الشهير محمد حمدان دقلو، المعروف ايضاً باسم حميدتي، تحت امرة جهاز الأمن ، ولكن تم وضعها في وقت لاحق تحت القيادة المنفردة للرئيس البشير وحده. ويتمتع أفراد هذه الميليشيا بحصانة قانونية تامة للإفلات من العقاب وليسوا ملزمين قانونا بالمحاسبة امام أي شخص –بما في ذلك القضاء- وفقا للإطار القانوني السوداني، مما جعلهم يمارسون سلطة شاملة ومطلقة دون حدود قانونية. وأشارت الأمم المتحدة إلى قوات الدعم السريع عدة مرات كعامل رئيسي من عوامل عدم الاستقرار في دارفور بالإضافة إلى سمعتها الإجرامية المنتشرة في السودان. أعلن البشير علنا ​​أنه كلف قوات الدعم السريع رسميا بمهام مراقبة وحماية الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية. وتفاخر حميدتي عدة مرات في وسائل الإعلام بدور ميليشياته في حماية أوروبا. وذهب إلى حد مطالبة اوروبا بفدية في شكل معدات مراقبة وطائرات بدون طيار أو أنه سيفتح الحدود لطالبي اللجوء. إن قوات الدعم السريع المعروفة جدا بمعاملتها الوحشية للمدنيين، مدت هذه الوحشية الآن إلى اللاجئين وطالبي اللجوء في الحدود من أجل تنفيذ أجندة أوروبا. رفض الاتحاد الأوروبي جميع الاتهامات بتمويل قوات الدعم السريع مباشرة مع اعترافه بدعم جهود السودان لمكافحة الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر. وهي الجهود التي بات معروفا ​​ان تنفيذها يتم بواسطة قوات الدعم السريع. وظهرت الحقيقة ناصعة الي العيان هي أن الاتحاد الأوروبي يستعين في نهاية الأمر بميليشيا شبه قانونية وإجرامية لتحقيق مصالحه واجندته في المنطقة.
إن ما يحدث في حدود السودان لا ينتهك حقوق اللاجئين وملتمسي اللجوء فحسب، ولكنه قد تم تصميمه بطريقة تجعلهم عمدا فريسة سهلة لميليشيا إجرامية سيئة السمعة. لقد كان الأمر في غاية الذكاء من قبل نظام الخرطوم الذي يتوق لإثبات شرعيته للعالم بإرغام الدول الاوروبية على التغاضي عن جرائم قوات الدعم السريع من خلال تكليفها بخدمة مصالح الاتحاد الأوروبي في المنطقة. وبغض النظر عن مدى عدم مبدئية هذا الامر، ومخالفته للقانون الدولي، فان الاتحاد الأوروبي يبدو سعيداً به ويقبله باعتباره حقيقة واقعة ومناسبة تماما لتحقيق اهدافه. وعلى ما يبدو فإن القانون الدولي والمعاهدات العالمية ليست ملائمة إلا لحماية التجارة الحرة وفتح أسواق جديدة، ولكن ليس لها مكان للاعتبار عند التعامل مع القضايا الإنسانية، خصوصا في دول الجنوب.
اغلاق الحدود بهذا الشكل في وجه اللاجئين هو انتهاك واضح للقانون الدولي وفقا لاتفاقية جنيف لعام 1951. ومع ذلك، فإنه ليس الانتهاك الوحيد الذي يتم ارتكابه لصالح الاتحاد الأوروبي. حيث تقرر اتفاقية ما بعد الحرب العالمية الثانية والبروتوكولات المتصلة بها، ثلاثة خيارات كحلول نهائية للاجئين؛ العودة الطوعية إلى الوطن؛ التوطين المحلي؛ وإعادة توطين في بلد ثالث. ولا يوجد ترتيب تفضيلي بين هذه الحلول ولكن القاعدة العامة هي أن اللاجئين أنفسهم يجب أن يكونوا جزءا من عملية اتخاذ القرار من أجل إعطاء الحل أفضل فرصة للنجاح. ويستند هذا إلى المفهوم الأساسي بأن هذه الحلول ليست عطايا او هبات خيرية بل هي حقوق للاجئين. فاللاجئون ليسوا مجرمين ولا ضحايا قصر غير كفؤين ولا ينبغي معاملتهم على هذا الاساس. بل هم أصحاب حقوق اصيلة بحسب القانون الدولي. وهم أشخاص يتمتعون بأهلية قانونية كاملة وهم خارج بلدهم الأصلي وغير قادرين على أو غير راغبين في العودة اليه بسبب خوف له ما يبرره من الاضطهاد. وبالتالي، لا يتم اعتبار خيار الإعادة إلى الوطن إلا عندما يختاره اللاجئ طوعا من دون إكراه، واستنادا إلى معلومات موضوعية وموثوقة. وينبغي أن يعود اللاجئون الذين يختارونه إلى "ظروف السلامة الجسدية والقانونية والمادية الكاملة، مع استعادة الحماية الوطنية لهم بالكامل، وضمان أن تتم العودة بأمان وبكرامة مستدامة". ولكن هذه القواعد ليست هي الحال في الحدود الأوروبية الجديدة التي نجح الاتحاد الأوروبي في صناعتها جنوباً.
حيث تفيد التقارير أن قوات الدعم السريع في السودان تقوم باحتجاز اللاجئين وطالبي اللجوء، وتصفهم بأنهم مهاجرين غير شرعيين. وتبعا لذلك، يواجهون عقوبة السجن ثم يرحلون قسرا إلى بلدانهم بعد ذلك. يتم اعتقال المئات من اللاجئين الإريتريين بتهمة الدخول غير القانوني – وهي التهمة التي لا تسري في حالات اللجوء وفقا للقانون الدولي وحتى وفقا للقوانين السودانية – ويتم الحكم عليهم بدفع غرامة، ثم السجن لفترات تصل الي عامين قبل ترحيلهم إلى أريتريا حيث يواجهون مخاطر موثقة وعميقة. وهذا ليس فقط انتهاكا للقانون الدولي بل هو أيضا ارسال اشخاص –بعضهم أطفال- الي قبورهم بشكل مباشر. وعلى النقيض من ذلك، فإن أي إريتري ينجح في الوصول إلى الأراضي الموعودة في أوروبا يمنح حقوق اللجوء، كقاعدة عامة في الغالب. وبما ان دول الاتحاد الأوروبي يجب ان تظهر تحضرها والتزامها بالقانون الدولي في أراضيها فان حلها لمشكلة اللجوء المتزايدة كان بتيسير انتهاك هذه القوانين في مكان اخر.
نجح الاتحاد الأوروبي في دفع الحدود الأوروبية جنوباً، الي حيث يمكن استئجار قوات لمراقبة الحدود يمكنها ارتكاب الجرائم وانتهاك القوانين الدولية دون أي أسئلة غير ضرورية، ولا التزام صوري بالقانون او الشكل الحضاري الذي تحرص عليه دول الاتحاد الأوروبي على اراضيه. وفي المقابل لم تتوانى قوات الدعم السريع وحكومة الخرطوم عن المطالبة بالحوافز المناسبة مقابل أداء هذه المهام. في مطلع العام 2017، صرح قائد قوات الدعم السريع علنا ​​أن قواته اعتقلت أكثر من 1500 مهاجر في طريقهم إلى أوروبا خلال 2016، وطالب برفع العقوبات المفروضة على السودان في مقابل ذلك. ولم يكلف احد نفسه عناء الشرح لهذا الرجل ان تصريحه هذا هو اعتراف بارتكاب 1500 جريمة إنسانية.
علاوة على ذلك، فإن مراكز صنع السياسات المهيمنة تقوم بالتلاعب بالخطاب السائد من أجل خلق واقع جديد لا تكون فيه حقوق اللاجئين حقوقا. حيث يتم بشكل متعمد الخلط بين مفاهيم اللجوء الإنساني بالجرائم المنظمة والاتجار بالبشر والتهريب بشكل يقصد به تجريم اللاجئين وملتمسي اللجوء. مكافحة هذه الجرائم تكون عن طريق تحديد طرق وسبل واضحة ومقدور عليها لحق اللجوء الانساني بدلا من ترك أولئك الذين يفرون من التهديدات العميقة عرضة لخطر الموت وفريسة سائغة لتجار البشر في طرق التهريب. المصطلحات مثل الهجرة غير القانونية / غير النظامية تحل بشكل متزايد محل الإشارة إلى اللجوء. والمقصود بهذا الاستبدال اللفظي هو تغذية نزعات الشعبوية وسياسة الخوف التي أصبحت الأدوات الانجع استعمالا لممارسة السياسة في الغرب في عصرنا. بالإضافة إلى ذلك، يتم خلق المزيد من الارتباك باستخدام مصطلحات قد تبدو حسنة المظهر الا انها خبيثة المقصد مثل "المجتمعات العائلة"، والذي يستبطن النظر الي اللاجئين كطفيليات. وبغض النظر عن مدى او احتمالية حسن النوايا الكامنة وراء هذه المصطلحات، فإنها لا تفعل سوى اقصاء صورة اللاجئين في تصور الجمهور عن هويتهم الحقيقية كاصحاب حقوق اصيلين وإذلال كرامتهم وإنسانيتهم ​​وخرق حقوقهم كبشر ذو أهلية كاملة.
لا يمكن إنكار أن أوروبا تواجه مشكلة متنامية وهي تحاول استيعاب (أو تفادي) الأعداد متزايدة من اللاجئين من الجنوب العالمي، ولكن عسكرة الحدود بالشكل الحالي ليست هي الحل. أولئك الذين يخاطرون بحياتهم مع المهربين أو عند عبور البحر الأبيض المتوسط ​​في قارب صيد لن يمانعوا في ركوب مزيد من المخاطر لتجنب بنادق قوات الدعم السريع. يموت الناس مرة واحدة، وبالتالي فإن زيادة المخاطر عليهم لن يدفعهم إلى الوراء لأنهم يخاطرون بالفعل بحياتهم. لن يؤدي ذلك الي غير زيادة غضبهم وخيبة أملهم وزراعة بذور الكراهية في قلوبهم.
هناك امران مهمان يجب تذكرهم بالضرورة عند النظر الي الوضع الحالي. الأول هو أن العوامل الدافعة للهجرة واللجوء هي عوامل سياسية في جذورها. وعليه، فإن المحاولات الرامية إلى إنشاء مشاريع تجارية صغيرة أو تمويل تنمية قاعدية في ظل نفس الأنظمة التي يسود فيها الفساد وسوء الإدارة والقمع هي مجرد محاولات عبثية لا يمكن لها حل المشكلة. الصعوبات الاقتصادية ورهق المعيشة هي أعراض كلاسيكية لانظمة الديكتاتوريات، وسيتسمر تفاقم وطأتها باستمرار وجود هذه الانظمة. ناهيك عن الانتهاكات البارزة لحقوق الإنسان، والتي هي العامل المميز الأكبر والمستمر لانظمة القمع الافريقية. محاولة التعامل مع مشاكل اللجوء الانساني دون معالجة سياقها السياسي، يكون مثل معالجة مريض بالسرطان عبر التخفيف من احساسه بالصداع مع تجاهل انتشار المرض في جسده، والتعامل مع الأنظمة الاستبدادية لمعالجة المشكلة أشبه بتشجيع السرطان للانتشار أكثر في جسم المريض. لا يمكن لأوروبا أن تتجاهل ببساطة أكثر من 300 سنة من العبودية والاستعمار، التي أوقفت التطورات التاريخية الطبيعية لمجتمعات الجنوب وأسهمت بشكل مباشر في خلق الصيغة المشوهة لدول ما بعد الاستعمار في الجنوب العالمي. ولا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يشكو من أزمة الهجرة دون مواجهة هذا السياق التاريخي. إن البشر في أفريقيا وآسيا وبقية انحاء العالم يستحقون التمتع بالديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية وسيادة القانون تماما مثل ما هو عليه الحال في اوروبا.
والأمر الثاني هو أن نظام اللجوء بأكمله في الغرب قد تعرض للافساد وسوء الاستخدام، ولكن الذين قاموا بافساده وإساءة استخدامه ليسوا هم الذين يحاول الاتحاد الأوروبي وقفهم في حدود السودان وليبيا ومصر. فعلت ذلك الطبقة المتميزة والاوفر حظاً والاقل معاناة في دول الجنوب والتي يمكنها أن تذهب بسهولة إلى أوروبا من خلال التأشيرات القانونية التي تمنحها لهم السلطات الأوروبية بسعادة بعد التحقق من خلفياتهم ومقدار المال في حساباتهم المصرفية، حين كان كثير منهم يقرر البقاء في أوروبا بتقديم مبررات ليست حقيقية تماما إذا لم تكن ملفقة بالكامل. ومن ينبغي توجيه اللوم اليه هنا هو اطر وأنظمة الهجرة في البلدان الأوروبية التي لم تقم بدراسة الحالات بالعمق الكافي واكتفت بالالتزام بشكل سطحي بممارسات تقليدية موروثة منذ منتصف القرن الماضي، دون اتاحة حقوق اللجوء الي أولئك الذين هم اكثر حوجة اليها. لقد أرهقت أوروبا نفسها عبر تقديمها هذه الحقوق بسطحية إلى الأشخاص الخاطئين ويبدو ان معالجتها لهذا الأمر هو معاقبة الأشخاص المحتاجين فعلا الي التمتع بهذه الحقوق. وذلك العقاب ليس فقط من خلال عدم الوفاء بالتزاماتها الدولية تجاه اللاجئين ولكن بجعل حياتهم أكثر بؤسا عبر دعم الأنظمة القمعية لحراسة الحدود واستخدامها لمنع اللاجئين من الوصول الي اراضيها. ويبدو ان أنظمة تقديم اللجوء الإنساني الأوروبية ليست هي وحدها التي تحتاج الي مراجعة، ولكن ربما اتفاقية جينف لحقوق اللاجئين الدولية لعام 1951 تحتاج ايضا إلى إعادة النظر.

 وأخيرا، فإن أخطر نتائج عملية الخرطوم لوقف الهجرة بالطريقة التي تنفذ بها الآن، هو تشجيع نمو ثقافة الكراهية. فمن أجل منع اللاجئين من البحث عن ملاذات آمنة في أوروبا، يدعم ويتعامل الاتحاد الأوروبي مع الأنظمة التي تقمع الناس في بلدانهم الأصلية، بحيث لا يمكن للناس الاختباء ولا يمكنهم الهرب،  ويتم مطالبتهم بالاستمرار في البقاء تحت وطأة أنظمة القمع فيما يستمر مضطهديهم في ممارسة الطغيان عليهم، بل تزداد وطأة هذا الطغيان كل يوم لمنعهم من الهرب. لا يمكن توقع أي شيء من هولاء الناس سوى الشعور بالغضب العميق وخيبة الأمل. وفي عالم اليوم، تكون هذه الحالة أفضل بيئة لنمو التطرف والأرهاب وهي مشكلة أخرى ستزيد ستفاقمها أوروبا عبر سعيها للحلول قصيرة النظر.

Comments

Popular posts from this blog

متاهة التحول الديمقراطي في السودان

حميدتي وقوات الدعم السريع: الموت حرفتي!

شبح ميونيخ: لماذا يجب رفض الاتفاق السياسي الذي يتم حاليا بين الحرية والتغيير والانقلابيين، وما هو البديل